Annons
  1. Svenska
  2. العربية

Maha Nasser: الألم نقطة تحول وبوابة عبور إلى أعماق الذات

Maha Nasser
Växjö • Publicerad 5 mars 2024
Detta är en personligt skriven text i Mosaik Vxonews. Åsikter som uttrycks är skribentens egna.
Maha NasserFoto: Privat

الألم ياله من شعور سيء. يعرف الألم الجسدي بأنه شعور غير سار يحد من قدرة الشخص على ممارسة روتينه اليومي ويعرف الألم النفسي على أنه معاناة ينشأ من أصل نفسي وليس جسدي ووصف على أنه معاناة ذهنية أو عذاب ذهني. ولكن ليس الغرض من كتابة هذا المقال هو تعريف الألم ، ولكننا نريد الحديث عن معجزات الألم ودوره في تطورنا الذاتي والروحي. لا أحد فينا يريد ان يختبر الالم ولا أن يمر بأي تجارب مؤلمة. ولكن ماذا لو قلت لك أننا هنا في هذه الحياة من أجل أختبار الآلم!

غالبًا ما يُنظر الى الألم على أنه أكبر محنة قد يمر بها الأنسان ، لكنه يحمل أهمية عظيمة وعميقة في التجربة الإنسانية. وإذا فهم الإنسان أهمية تجربة الألم فأن ذلك أمر مهم للغاية في تقدير دوره كآلية وقائية وحافز للتنمية الشخصية والروحية وزيادة معرفة الذات وتوسع الإدراك. أن الشعور بالألم هو المعلم الأول والأكثر جدارة للإنسان ، لأن دروسه لا تنسى بسهولة. الإنسان خلال رحلة حياته يتعلم من خلال تجربة الألم ، على سبيل المثال قد تستمر في إعطاء تعليماتك لطفلك الصغير بأن لا يقف على الكرسي أثناء تناول الطعام مرارا وتكراراً ولكنه يرفض ويستمر هو في الوقوف مرارا وتكرارا إلى أن يأتي اليوم الذي يقع فيه من على الكرسي و يتألم ويتعلم أن الوقوف على الكرسي يسبب الالم. أوقات نحاول نحمي من نحب من التجارب الذي قد تكون مؤلمة. قد تكون أنت ك والد أو أم على سبيل المثال ترى طفلك يريد أن يخوض تجربة تعرف أنت نتائجها مسبقا وتحاول منع ابنك الشاب أو ابنتك من خوض هذه التجربة ، ولكنه يرفض الاستماع اليك ويصر على أن يخوض التجربة بنفسه ، فيجربها ويتوصل إلى نفس النتائج التي حذرته أنت منها في البداية ، ولكنه يتعلم من التجربة بعد أن يتألم منها. لا نستطيع آن نعلم من هم أصغر منا من خلال الكلام والمواعظ. لابد أن يعيشوا تجاربهم هم أيضاً ويتألمون ويتعلمون. لذلك فأن التجارب المؤلمة تساهم بشكل كبير في عملية التعلم والتطور الذاتي ، لأن الانزعاج المرتبط بالألم يخلق ذكريات دائمة توجه السلوك المستقبلي. يساعد هذا التعلم الأفراد في اكتساب القدرة على التكيف في مواجهة التحديات. كما يساعد الألم النفسي على النمو الشخصي بشكل عميق. وغالبًا ما تكون الشدائد التي نمر بها مثل خسارة ممتلكات أو خسارة شخص عزيز اوغيرها بمثابة نقطة تحول في حياتنا. كما أن الألم، سواء كان جسديًا أو عاطفيًا، يمكن أن يكون حافزًا قويًا للتغيير الإيجابي. هناك مقولة تقول ” القناعة كنز لا يفنى” مما يعني أن الانسان يجب أن يقتنع بما لديه ويكون سعيد به. وانا دائما أقول أن الشعور بالقناعة يسرق الأحلام ويضيع الفرص . لأنه يمكن أن يؤدي الانزعاج المرتبط بعدم الرضا أو عدم تحقيق الأهداف إلى دفع الأفراد إلى البحث عن التحسين، أو إجراء تغييرات في نمط الحياة، أو متابعة التطوير الشخصي والمهني. وبهذه الطريقة، يعمل الألم كمحفز للنمو والتقدم.. الألم يغير القناعات أيضا. ذكر انتوني روبنز في كتابه ”أيقظ قواك الخفية” التجارب المفزعة التي كان يمارسها قادة الاستخبارات الامريكيين على الجنود لتغيير قناعاتهم وقال أنه نفسه كان يستخدم تلك الأساليب عندما كان يريد أن يتخلص من القناعات التي تسلبه القوة ويستبدلها بقناعات أخرى تكسبه القوة.

Annons

إذا نظر الإنسان للتجربة الانسانية في الحياة على الأرض من منظور روحي بعيدا عن اي منظورات أخرى و بحسب تصوري فأننا هنا للتطور الذاتي والنضج الروحي ، وان هذا التطور مرتبط ارتباط وثيق بالألم والتجارب المؤلمة التي نعيشها. في عالم النمو الروحي، غالبًا ما يُنظر إلى الألم على أنه حافز عميق للتحول. وبعيدًا عن أبعاده الجسدية والعاطفية، فإن للألم القدرة على دفع الأفراد نحو النضج الروحي والصحوة. الألم، سواء كان جسديًا أو عاطفيًا، يدفعك إلى خوض رحلة عميقة في داخلك . إن الألم بمثابة بوابة إلى الجوانب الأعمق للذات، و يجبر الأفراد على مواجهة اضطراباتهم الداخلية وعقدهم النفسية و تجاربهم المؤلمة التي تركت أثر ولم يتم معالجتها. في خضم الألم، غالبًا ما يصبح البحث عن المعنى والهدف قوة توجيهية، مما يجعلك تخطو الخطوة الأولى نحو اكتشاف الذات والذات العليا والتفكير العميق بحقيقة الوجود والاشياء. ربما بعضنا قد تعرض للنوع من الألم في الطفولة ويظل هذا الألم يسكن في اعماقنا. في أوقات كثيرة نحن لا ندرك ذلك الألم ، أو ربما نشعر به ولكن لا نستطيع تشخيصه أو معرفة سببه. ولكنه يكون سبب لمعاناتنا من عقد نفسية كثيرة. سواء كانت تلك العقد عقد اجتماعية أو عاطفية أو نعاني من عدم الثقة بالآخرين أو الخوف من الرفض أو الهجر وغيرها من العقد التي يكون سببها أحد الوالدين أو معاملة سيئة تعرض لها الطفل في طفولته من المجتمع المحيط. في كثير من الأوقات لا نستطيع ادراك ذلك الالم المخبأ في الداخل. نعرف ان لدينا مشكلة ما ولكن لا نعرف سببها ولا يمكنا تشخيصها. الالم وحده قادر على فعل ذلك. الألم وحدة قادر على الوصول الى أعماقك وإخراج ما تدفنه بداخلك وهو وحده قادرعلى معالجته. على سبيل المثال اذا كنت قد تعرضت للهجر أو الرفض من قبل احد والديك وسببت لك هذه التجربة الألم في الطفولة، وبقى هذا الآلم يعيش في داخلك ويكبر معك كلما كبرت وأدركت أكثر مرارة التجربة التي مررت بها. ثم تعرضت لتجربة مماثلة مرة أخرى في حياتك ، وعلى الأرجح أن هذا سيحدث لك. فأن الألم التي سوف تسببه التجربة الثانية سيساعدك على التعافي من الألم الذي سببته التجربة الاولى. ليس ذلك فحسب بل سوف يساعدك الالم على معرفة ذاتك وسوف تتمكن من تسليط الضوء على نقاط ضعفك و على مخاوفك و سوف يساعدك على مواجهتها. وسوف يساعدك أيضاً على إيجاد جواب لكل سؤال وتفسير لكل ما حدث ويحدث. كما سوف يساعدك هذا الألم على معرفة دوافع الآخرين والتماس العذر لهم بل والتعاطف معهم وسامحتهم. عندما كنت أشارك في دورة تدريبية في دوسلدورف ألمانيا في عام ٢٠٢١ ، التقيت بالعديد من المشاركين. وفي أحد اللقاءات كانوا يتحدثون عن رجل فلسطيني يعيش في بريطانيا. حيث فقد هذا الرجل كل أفراد أسرته بما في ذلك طفلتيه المحبوبتين التى قتلتا بين ذراعيه وأمام عينه. وكان المشاركين يتحدثون باستغراب عن هذا الرجل الذي يدعوا للحب والسلام ولا يرى أي مبررات للحرب ويرى كل المبررات للحب. حتى أنه قام بتأليف كتاب عن هذا الشأن. وصفوه بأنه رجل سعيد ومسالم ، لا يتحدث عن الإنتقام على الرغم من كل ما مره به. ولا يتحدث عن ما عاشه أثناء فقد طفلتيه ، ولكنه يتحدث عن الحب. قلت لهم ”أنا أعرف لماذا أصبح هذا الرجل على هذا الشكل.” التفت الي الجميع باستغراب. فقلت لهم ” أن تجربة الألم الفظيعة التي عاشها هذا الرجل أثناء خسارة عائلته ورى طفلتيه تمتان أمام عينه ، ساهم ذلك في أن يدخل الرجل في صحوة روحية وساعده في فهم الأشياء على حقيقتها. فهو صادق عندما قال لا شى يستحق الحرب والقتال والكره. ولكن هناك ألف شيء يستحق الحب.”

أن كل التجارب المؤلمة التي نمر بها ، تكون بمثابة بوابة لنا للخروج من مرحلة ودخول مرحلة أخرى أكثر إدراك. أن النضج الروحي لا يأتي الا بتجربة الألم والحزن ، عند الحزن يرى المرء حقيقة كل شيء. حقيقة نفسه وحال قلبه واصدقائه واهله. وحقيقة هذه الحياة برمتها. وما صارت إليه روحه. فيدرك جمال الأشياء التي مرت عليه و تجاوزها على عجل. تتصل روحه بالسماء بالذات العلى فيجعل الله في كل ذرة حزن نورا يضيء بصيرته. فيدرك حقيقة الدنيا وحقيقة الأشياء. ولكن هناك شيء مهم ليس كل الناس يمكن أن يساعدهم الألم في الدخول في صحوة الروح و معرفة الذات ومعرفة حقيقة الأشياء. هذا الشيء يعتمد على كيفية تعامل المرء مع الألم وإدارته. وقوة الإيمان المرء ورادته ورغبته في التعافي والتطور. على سبيل المثال ربما قد مر شخص أخر بنفس التجربة التي مر بها الرجل الفلسطيني ولكن ربما كان قد مات من هول الصدمة أو أقدم على الانتحار ، أو دخل في اكتئاب مزمن. كما أن هناك ناس ايضاً يعيشون تجاربة مؤلمة في مرحلة الطفولة وتكون هذه التجارب سببا في إنحرافهم ومعاناتهم في طوال حياتهم ، لأنهم لا يستطيع التخلص من تلك التجارب والتعافي منها. حتى الألم تعلم كيف تستفيد منه وتوجه!

Annons
Annons
Annons
Annons