المشاركة وتقبل الآخر
أنتهت الاعياد والمناسبات وعاد الناس الى حياتهم الطبيعية واعمالهم. ولكن هناك ثمة شئ مازال عالق بالذاكرة . وهي تلك اللحظات الجميلة التي لا تنسى. لا أقصد لحظات الاحتفال ذاتها أو تبادل الهدايا. ولكن هناك شيء أعمق من ذلك. هي المشاركة وتقبل الأخر. رغم اختلاف الثقافات والمعتقدات، الا أن هناك شيء واحد يجمعنا وهي إنسانيتنا.
حتفلت بعيد الميلاد للمرة الثانية على التوالي مع عائلتي السويدية. نعم ، إنها عائلتي ، على الرغم من جميع الاختلافات التي بيننا في اللغة والثقافة والعادات والمعتقدات. ومع ذلك ، أشعر بالانتماء إليها كما لو أنني نشأت بينهم. في وقت سابق من هذا العام ، احتفلت بعيد الفطر مع بعض الأصدقاء السويديين وغير السويديين ، وتناولنا العشاء في أمسية رائعة. احتفلوا معي وشاركوا العيد على الرغم من أنهم لا يؤمنون بما أؤمن به ، لكنهم شاركوا فرحتي لأكون سعيدة ولا أشعر بالغربة بينهم. بالنسبة لي ، كان هذا أول عيد حقيقي أعيش فرحته ، لأن هناك من شاركني ، رغم اختلافه عني. لأن مشاركة الأخر مناسبته تعتبر ركيزة مهمة وأساسية في الحياة. لإنها تخلق نوع من والألفة والتسامح وتقارب وجهات النظر.كما أنها تتيح لنا فرصة لمعرفة بعضنا البعض عن كثب. بدلاً من اصدار الأحكام المسبقة. ما يؤسفني حقاً هو أن هناك من يتحفظ عن مشاركة الآخرين أعيادهم ومناسبتهم بغض النظر اذا كانت هذه المناسات دينية أو تحمل معنى آخر. بحجة أنه لايؤيد معتقداتهم او ثقافتهم. أن مشاركتك للأخرين واحترامك لما يعتقدون لا تفرض عليك بالضرورة أن تؤيد من يؤمنون به. ولا يحق لك الحكم على ما يؤمنون به ما كان على صواب أو خطأ. لأن ما يؤمن به المرء يخصه وحده، مالم يؤثرسلبياً على المجتمع.
اليوم ، هناك من يتمسك بالثقافة الذي نشأ عليها بطريقة مبالغ فيها ويرفض التنازل عنها ، وهذا ما يسبب تصادم بين الثقافات وبالتالي يؤدي إلى الرفض. ما زلنا نرى اليوم أشخاص أتوا إلى السويد منذ سنوات عديدة وما زالوا متأصلين في ثقافتهم التي أتوا منها ، ومنغلقون تمامًا على ثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه. وهذا ما يساعد على خلق مجتمع غير متجانس مليء بالكراهية والرفض ، بسبب الفرق الكبير بين الثقافات. في الوقت الذي يتطلب منك الوضع التكيف والإندماج. لابد أن تذوب هذه الثقافات وتتوحد لإنتاج مجتمع متجانس متقبل للآخر. إذا كنت ترغب في الحفاظ على ثقافتك بطريقة مبالغ فيها وعدم مشاركة الآخرين بحجة أنك لا تؤيد ما يؤمنون به. أنت تساهم في عزل نفسك عن الآخرين وتحيط نفسك بالريبه والرفض. أن إندماجك في المجتمع ومشاركتك للآخر مناسباته وأفراحه، هذا لن ينتقص شئ من هويتك أو إيمانك. ليس عليك بالضرورة تأييد ما يؤمن به الآخرون ولكن عليك تقبله واحترمه.
إن اختلاف ثقافة الأشخاص وبيئتهم نشئتهم تفرض عليك بذل جهد لفهم الآخر والتعامل معه. وفهم طبيعة الاختلاف في أسلوب التفكير والمعتقدات. لأن حاجتنا إلى قبول الآخر هي حاجتنا إلى الانتماء. وبطبيعة الحال قبولك للاخر هي بالدرجة الاولى نوع من الأخلاق ويكشف عن شخصية المرء وما بداخله. لأن تقبلك للآخر هو تقبلك لذاتك بالدرجة الأولى. حيث أن احترام الآخر وتقبله يفرض عليه احترامك وتقبلك أنت أيضاً.
