التقارب الاجتماعي ما بين السلبيات والإيجابيات
من الطبيعي أن تكون هناك علاقات تربط الناس ببعضهم البعض بغض النظر عن كون هذه العلاقات علاقات إيجابية أو سلبية، وتسمى هذه بالعلاقات البشرية وهي تختلف بمفهومها عن العلاقات الإنسانية والتي تشير دائما للعلاقات الإيجابية. كما يعتبر معظم المؤلفين والعلماء أن العلاقات الاجتماعية هي أساس علم الاجتماع وقد عرفت العلاقات الاجتماعية بأنها الروابط والآثار المتبادلة بين الافراد والمجتمع وهي تنشأ من طبيعة اجتماعهم وتبادل مشاعرهم واحتكاكهم ببعضهم البعض ومن تفاعلهم في المجتمع الواحد. لأن وجود الناس في مجتمع ما يعني بالضرورة تفاعلهم الاجتماعي سواء على مستوى الأسرة والمجتمع.
تأخذ العلاقات الاجتماعية اشكالاً عدة ، كعلاقة الجوار وهي التي نحن في صدد الحديث عنها في هذا المقال. على الرغم من أن هذه العلاقات قد بدأت بالتلاشي في بعض المجتمعات في الوقت الحالي حتى بدأ الأمر يأخذ طابع أخر. فقد أصبحت علاقات الجوار قليلة جداً وشبه معدومه، خاصة في المجتمعات المتحضرة فقد لا يشاهد الجار جاره فترة طويلة بسبب الانشغال الدائم وكثرة الالتزامات الاجتماعية. لكن هناك مجتمعات مازلت تقدس هذه الروابط وتحترمها. والمجتمعات الشرقية أحد هذه المجتمعات. حيث هناك تفاعل اجتماعي بين الجيران أو أبناء الحي الواحد. فالجيران يشتركون مع بعضهم البعض في أفراحهم وأحزانهم. فتجد التقارب والمشاركة في كل شيء. فمثلا في المناسبات السعيدة مثل حفلات الزفاف وغيرها من المناسبات السارة تجد الناس يتفاعلون ويحضر أبناء الحي الواحد للقيام بكل الواجبات ومشاركة الفرحه أيضًا مع أصحابها. وكذلك في المآتم يحضر الناس لمواساة عائلة المتوفى وتقديم الدعم النفسي لهم ، بالاضافة الى انهم يقمون بإعداد الطعام لهم على الأقل لمدة ثلاث أيام. صحيح أن هذه العلاقات وهذا التقارب الاجتماعي شيء إيجابي ويخلق نوع من التكافل الاجتماعي، لكنه لا يخلو أيضاً من السلبيات.
تتميز الاحياء في المجتمعات الشرقية أن بيوتهم مفتوحة على الدوام ومن الممكن أن تتشارك وجبة الافطار أو الغداء مع زائر غير متوقع او عابر سبيل. وقد اعتادوا على هذا الأمر، حتى أنه لا يوجد هناك كلفة. وتجد هذا عادة بالأرياف أكثر من المدن. نعم أن هذه الروابط تزيد من الالفة بين افراد المجتمع. إلا أن المرء بالمقابل لا تستطيع أن يحظى بالخصوصية. فأنت تفتح بابك على مصراعيه للفضوليين ليعرفوا كل صغيرة وكبيرة عن حياتك الخاصة وتداولها. كما أنه لا يوجد هناك احترام للحياة الخاصة على الاطلاق. وبالتالي يكثر القيل والقال في هذه المجتمعات وكذلك الشائعات. كم تكثر الخلافات بين الجيران بسبب هذه الأقاويل. بالإضافة الى الخلافات التي تنشب بين الاطفال بسبب احتكاكهم مع بعضهم، تخلق خلافات بين الكبار أيضاً. على قدر ما يتمتعون هولاء الناس بالطيبة والبساطة والكرم وروح المبادرة في المساعدة. الا أن المرء قد يرى من يتشاركون الطعام في اليوم الأول على مائدة واحدة يتشاجرون في اليوم التالي. تكثر المشاكل والخلافات كلما توسعت دائرة تلك العلاقات ولا يكون هناك حدود لهذا التقارب. الى جانب هذا وذلك ، ذكر سابقا أنه عند نزول المصائب يأتون الناس للدعم والمساندة ولكن ليس كل من يأتي يكون هدفه المساعدة فهناك من يأتي ليستطلع ويشاهد يشعر بالغبطة للمصائب التي تصيب الأخيرين. وبالتالي قد يلقى المرء صعوبة في إيجاد مساحة خاصة يكون فيها منفردا ويعبر عن حزنه دون أن يراه أحد.
من الجيد أن يكون هناك علاقة جوار جيدة وروابط اجتماعية تؤدي إلى التكافل الاجتماعي ، ولكن بحدود. لابد أن يكون هناك توازن في مساحة هذه العلاقات، ولا بد أن يكون للمرء حياته الخاصة. فوضع حدود لهذه العلاقات يمضن استمرار الاحترام المتبادل ويقلل من نشوب الخلافات.